هل إستشهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 1

19:12 - 2016/12/04

إن أكثر المسلمين يعتقدون أن النبي (صلى الله عليه وآله) توفي مسموما شهيدا؛ والبعض الآخر يرى أنه إرتحل عن الدنيا بصورة طبيعية ولم يتسبب أي شيء في وفاته.

شهادة النبي، إستشهاد النبي

في كيفية إرتحال النبي (صلى الله عليه وآله)، بأن مات بصورة طبيعية أو أنه مات شهيدا، هناك إبهام وغموض في التأريخ. فالتأريخ ينقل مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله) أحيانا ويعتبرها الدليل الوحيد لوفاته فيعترف بشهادته (صلوات الله وسلامه عليه)؛ وأحيانا يذكر إرتحال النبي (صلى الله عليه وآله) بعد عامل طبيعي كالسقم.

قصة مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله)
أهدت له زينب بنت الحارث إمرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم فسمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله فأما بشر فأساغها وأما رسول الله فلفظها ثم قال إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان نبيا فسيخبر وإن كان ملكا استرحت منه فتجاوز عنها النبي صلى الله عليه و سلم ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل.

 حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه الذي توفي فيه ودخلت عليه أم بشر بن البراء تعوده يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع ابنك بخيبر قال وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة. [1]

أما أدلة التشكيك والإبهام في نوع إرتحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
مع أنه ليس للتأريخ أي إبهام في مسألة مؤامرة المرأة اليهودية لسمّها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد فتح خيبر، بل يعتبره أمرا مسلما، إلا أن التشكيك والإبهام يجري في أنه هل حقا سمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بطعام تلك اليهودية؟ وإذا صح هذا، هل لهذه المسمومية تأثير في إرتحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكي نعتبر إرتحاله شهادة أم لا؟
يرى البعض قصة مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خيبر واقعية، ولكن لايعتبرونها الدليل على وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أنهم يشككون في ذلك؛ ويرد البعض أيضا الدلائل المذكورة على مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله) في خيبر. كلا الفريقين يذكران أدلة لوفاة أو إستشهاد النبي (صلى الله عليه وآله) غير سمّه بواسطة اليهود. فالبعض الذين لايقبلون شهادته أساسا، يقولون أنه (صلوات الله عليه وآله) توفي بعلة طبيعية كذات الجنب أو الحمى الشديدة أو أنه مات بسحر اليهود؛ والبعض الآخر الذين يرون وفاته شهادة، يقولون أن المنافقين أو بعض نساءه تسببوا في سمّه (صلى الله عليه وآله)، لا الأكلة التي أكلها من يد اليهودية.

نريد الآن دراسة أدلة هؤلاء الدالة على عدم إمكان شهادته بسمّ اليهود بصورة مفصلة:
1. المدة الزمنية مابين المسمومية وحتى الوفاة
إن أول تشكيك يحصل في قضية شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسمّ اليهود، هو أن فتح خيبر حدث في محرم وصفر في السنة السابعة للهجرة. [2] ووفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت في صفر أو ربيع الثاني سنة 11 للهجرة. فهذه المدة الزمينة التي تقارب أربع سنين، تزيد الأمر إبهاما وتشكيكا، بأنه هل من الممكن أن تكون تلك المسمومية، الدليل الأصلي لوفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لأن السمّ لو كان قويا ومهلكا، كان يجب أن يؤثر في الأيام الأوائل؛ ولو كان ضعيفا، كان على البدن أن يتغلب عليه ويُلغي أثره، لا أن يتسبب في الوفاة وذلك بعد أربع سنين.

2. لم يَبلَع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللقمة المسمومة
في النقل المذكور في تناول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطعام المسموم بعد خيبر، يُذكَر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن تناول لقمة من تلك الأكلة، إطّلع على السمّ الموجود في الأكلة، فألقى اللقمة من فمه ولم يأكلها. [3] و أمر الجلوس أن يكفوا عن أكلهم الشاة فإنها مسمومة. كما أن إبن كثير يقول في إطّلاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن السمّ في الأكل:
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل يعني بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم وكلمه ذراع الشاة المسمومة وأعلمه بما فيه من السم. [4]
إذا يمكن أن يقال أن تأثير السمّ بالكيفية المذكورة وذلك بعد مضي أربع سنين، أمر بعيد عن الواقع. طبعا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألقى ما في فمه من ذلك الطعام، ولكن من الطبيعي أن يكون السمّ قد إختلط بريقه؛ وإن كان من الواضح أنه لم يكن لهذا السم تأثير معتد به في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

3. عدم وجود نقل تأريخي معتبر عن وجود أي مرض أو أثر للسم في بدن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طوال هذه السنوات الأربعة
لوكان قد بقى هذا السمّ في بدن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكان قد ظهرت آثاره شيئا فشيئا ولتسببت في مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا فشيئا؛ والحال أنه لم يظهر أي أثر للسم في بدن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طوال هذه السنوات الأربعة، بل كان يعيش حياته بصورة عادية بل شارك في حروب وغزوات كثيرة بصحة وعافية.
إذا مع وجود النقل المعتبر والروايات الصادرة في باب مسموميته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإننا مع تصديقنا هذه الروايات والنقول، ولكن لا يمكننا أن نعترف بأن العلة الأساسية في إرتحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، المسمومية التي حدثت له قبل أربع سنين. لأن تأثير السمّ بعد أربع سنين وذلك من دون أي أثر طوال هذه السنوات، أمر يستدعي التعجب.

4. ضعف بعض الروايات
الدليل الرابع الذي يستدعي التشكيك في إستشهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسم، ضعف بعض هذه الروايات. فمثلا إحدى هذه الروايات التي تَدّعي إرتحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متأثرا بالسمّ، رواية عائشة؛ والحال أنها غيرموثقة عند الشيعة وتُرَدّ رواياتها لذلك. بالإضافة إلى ذلك فالروايات التي نقلتها، متناقضة. فهي تقول حينا:
مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ذات الجنب. [5]
وتقول حينا آخر:
عن عروة عن عائشة: أنها حدثته أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال حين قالوا : خشينا أن الذي برسول الله ذا الجنب قال : إنها من الشيطان و ما كان الله ليسلطه عليّ. [6]
إذا لايمكن الإستناد بروايات عائشة في هذا الباب.

هذه الأدلة الأربعة المذكورة، بعض الأدلة التي يذكرها منكروا إستشهاد النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) بسمّ اليهودية. مراعاة للإختصار نضطر لذكر سائر إدلتهم في المقالات التالية؛ فكونوا معنا.

المصادر
[1] المكتبة الشاملة، الطبري، تأريخ الطبري، ج2، ص138 - المكتبة الشاملة، تأریخ الیعقوبي، ج1، ص125 -  المكتبة الشاملة، الذهبي، تأريخ الإسلام، ج2، ص437 - المكتبة الشاملة، إبن هشام، السیرة النبویة، ج4، ص308 - المكتبة الشاملة، محمد بن عمر الواقدي، المغازي، ج1، ص276 -  المكتبة الشاملة، إبن أثیر، الکامل في التاریخ، ج2، ص100
[2] المكتبة الشاملة، إبن هشام، السیرة النبویة، ج4، ص297
[3] المكتبة الشاملة، الطبري، تأريخ الطبري، ج2، ص138 - المكتبة الشاملة، إبن هشام، السیرة النبویة، ج4، ص308 - المكتبة الشاملة، إبن أثیر، الکامل في التاریخ، ج2، ص100
[4] المكتبة الشاملة، إبن كثير، البداية و النهاية، ج6، ص286
[5] المكتبة الشاملة، الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج4، ص449
[6] المكتبة الشاملة، الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج4، ص449

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
7 + 9 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.