مسلم بن عقيل والرواية الأموية

13:03 - 2023/06/26

-امتاز الأمويون عبر التاريخ بالإعلام القوي، والحرب النفسية، والتسلّل الماكر إلى قلوب الناس وأفكارهم.

الرواية الأموية: استهدف الأمویون مسلم بن عقیل استهدافاً خاصاً لأسباب معروفة، فحاولوا عرضه في صورة لا تقدح فيه وحده، وإنّما تتعرّض إلى قيام سيد الشهداء عليه السلام.

فقد نسب التاريخ لساحة مولانا مسلم بن عقيل ما حكاه المدائني من قصّة شراء والدته وما تضمّنته من أراجيف.

تقول الرواية: قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب: هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال: نعم، جارية عرضت عليّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلاّ بأربعين ألفاً.

فأحبّ معاوية أن يمازحه، فقال: وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهماً؟!

قال: أرجو أن أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف.

فضحك معاوية وقال: مازحناك يا أبايزيد. وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلماً!

فلمّا أتت على مسلم ثماني عشرة سنة - وقد مات عقيل أبوه - قال لمعاوية: يا أمير المؤمنين! إنّ لي أرضاً بمكان كذا من المدينة، وإنّي أعطيت بها مائة ألف، وقد أحببت أن أبيعك إياها، فادفع إليّ ثمنها.

فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه. فبلغ ذلك الحسين عليه السلام، فكتب إلى معاوية:

أمّا بعد، فإنّك غررت غلاماً!! من بني هاشم، فابتعت منه أرضاً لا يملكها!! فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد إلينا أرضنا.

فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك، وأقرأه كتاب الحسين عليه السلام، وقال: اردد علينا مالنا وخذ أرضك، فإنّك بعت ما لا تملك.

فقال مسلم: أمّا دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا.

فاستلقى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه، فقال: يا بنيّ، هذا - واللّه - كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أمّك!!.

ثم كتب إلى الحسين عليه السلام فقال: إنّي قد رددت عليكم الأرض، وسوغت مسلماً ما أخذ.

فقال الحسين عليه السلام: أبيتم يا آل أبي سفيان إلاّ كرماً.![1]

الرواية

ملاحظات حول الرواية

لا شك في أن الرواية من نسج القصاصين الذين راجت بضاعتهم في العصر الأموي، لعدم ذكر المدائني سند الرواية، فالرواية ساقطة من هذه الناحية، وغاية ما يقال أنها وردت في كتب التاريخ من مؤرخ لا يتثت فيما ينقله.

اضافة الى أن المدائني قد ضعّفه ابن عدي في الكامل،[2] والذهبي في الاعتدال،[3] وابن حجر في لسان الميزان،[4] ثمّ إن من يتأمل في هذه المحاورة الواقعة في أمر الجارية يظهر له مغزى المدائني، وهو المسّ في الذوات المقدّسة من آل الرسول.

أولاً: الرواية تنص على كرم معاوية وحلمه، لأنّه اشترى لعقيل الجارية بعد ما أسمعه عقيل الكلام الجارح لمجرّد أنّ معاوية كان قد أحبّ ممازحته. كما أنّه قد صفح عن جرأة مسلم وتهديداته له، وأحسن إليه بأن سوّغه المائة ألف، وردّ عليه الأرض . . .

ثانياً: الرواية تنسب إلى الإمام الحسين أنّه يلقي التهم بناء على الحدس والتخمين المخالف للواقع، وذلك ينافي ما يقال عنه: إنّه ممّن أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، كما أنّ الرواية تتّهم مسلماً بالاحتيال، حيث يبيع أرضاً ليست له، ثم يجعله الإمام ممثّلاً له! ويصفه بأنّه أخاه، وثقته من أهل بيته!!

ثالثاً: الرواية تظهر أنّ آل أبي طالب هم أهل فظاظة وعدوان، وآل أبي سفيان وعلى رأسهم معاوية أهل حلم وكرم وصفح. 

المصادر:

[1] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج11، ص251.

[2] . الكامل لا بن عدي، ج 5، ص213، رقم1366.

[3] . ميزان الاعتدال للذهبي، ج3، ص153، رقم5921.

[4] . لسان الميزان لابن حجر، ج4، ص253، رقم6.

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
9 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.