رواية جاسوس ابن زياد في الكوفة

13:59 - 2023/06/27

-قالوا: إنّ أول بادرة سلكها ابن زياد بعد وروده الكوفة هي التجسس على مسلم، وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلا، وكان من صنائعه، وتربى في كنفه، ودرس طباعه، ووثق باخلاصه، وكان فطنا ذكيا.

إن الرواية وقصة الاختراق التي تتحدث عن مسلم بن عقيل لا ينبغي الركون اليها بعد التأمل فيها، لأنه بعد الاطلاع على رجال الإمام الحسين عليه السلام من أمثال مسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام، يحق التشكيك في واقعية مثل هذه الروايات.

إن الإمام الحسين عليه السلام قد اختار في سفارته ثقته، وكبير أهل بيته، والمبرّز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل، وهو من أمهر الساسة، وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف، والصمود أمام الأحداث.[1]

 ومسلم بن عوسجة شيخ كبير طاعن في السنّ، وصاحب السوابق في الحرب والقتال ومقارعة الأبطال، كما شهد له الأعداء يوم عاشوراء.

أيتصور في حق هذين الرجلين العظيمين أن يخدعهما ابن زياد أو معقل، وهما أذكى وأنبل وأدقّ وأكثر حذرا، وقد قضى كلّ منهما عمرا مديدا في ممارسة التقية والحيطة، وصدّ اختراق التجسس في عهد معاوية ومن سبقه.

مسلم

معرفة مكان مسلم

ثم ما هي الحاجة لمثل معقل الجاسوس، إذا كان الغرض معرفة مكان مسلم عليه السلام، والكوفة كلّها تعرف مكانه، فقد بايعه في الكوفة أكثر من ثلاثين ألفا على رواية العقد الفريد[2] وجواهر المطالب وغيرهما،[3] وأقلّ ما ذكر في ذلك إثنا عشر ألفا، وكان مسلم بن عقيل عليه السلام قد جمع حوله في الدور أربعة آلاف سيف، وكلّ هؤلاء كانوا يعرفون بشكل من الأشكال مكانه عليه السلام.

وقد مضى مسلم الى دار هاني، فاستقبله وصارت داره مركزا لنشاط مسلم السياسي، ومحلاً لاجتماع الشيعة عنده، فبايعه في منزله !! ثمانية عشر ألفا[4] وعلى هذا فما الضرورة لاختلاق جاسوس يدعى معقلاً، ليخترق الثورة!

سيما إذا عرفنا أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام إنّما اختار بيت هانيء، ولجأ اليه لأنّه كان سيد المصر، وعنده من القوّة ما يضمن حماية الثورة، والتغلّب على الأحداث، فكان فيما يقول المؤرخون إذا ركب يركب معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، وإذا أجابته أحلافه من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع.[5]

ثم إن هذا معقل الذي وُصف بحيث يفوق في الذكاء والنباهة رجال التاريخ والشرف والأصالة، والذي غيّر مجرى التاريخ من خلال إختراقه لغرفة القيادة في عرينها، وأثر على مجريات الأحداث حتى قلبها رأسا على عقب، لماذا لم يذكره التاريخ بغير اسمه "معقل" وانتهى كلّ شيء! وأين حلّ به الدهر بعد انجاز هذه المهمّة الفريدة والصعبة والمؤثرة ؟

ولماذا لم يذكر له التاريخ موقفا آخر قبل أو بعد تلك الحادثة الأليمة، سواء في الكوفة أو في قتال كربلاء أو في قصر الإمارة أو في البصرة، قبل وبعد حرب الطف؟

المصادر:

[1] . حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل، السید جمال أشرف الحسیني، ص 113.

[2] . العقد الفريد،شهاب الدين بابن عبد ربه الأندلسي،ج 5، ص 126.

[3] . ترتيب الأمالي الخميسية، يحيى الشجري الجرجاني، ج 1، ص 220.

[4] . الأخبارالطوال للدينوري، ص 214.

[5] . الفتوح لابن أعثم، ج5، ص67.

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
7 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.