رواية تطيّر مسلم بن عقيل في الميزان

إن ما رووه في مسلم بن عقيل من التطيّر[1] لا يخلو من إشكال بعد معرفتنا به وهو من حاملي القرآن الكريم، ولم نرَ موضعاً واحداً في القرآن نسب الله فيه التطير الى مؤمن وإنما الذي يتطيّر هو غير المؤمن، قال تعالى: "قالُوا إِنّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ "[2] وفي قوم صالح : "قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ "[3] وحكاية عن قوم فرعون :"وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ".[4] 

والنهي عن التطيّر في الحديث فكثير مثل قوله صلى الله عليه وآله " من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ".[5]

فهل يخفى على مسلم بن عقيل ثقة الإمام الحسين عليه السلام، هذه الآيات والروايات، وكيف يتطيّر وهو من أهل البيت عليهم السلام؟

ولو كان مسلم هيّابا في الحروب، لما أقدم سيد الشهداء عليه السلام على تشريفه بالنيابة الخاصة عنه التي يلزمها كلّ ذلك.

إنّ المتطيّر هو من لم يعلم ما يرد عليه، وإنّما يستكشف ذلك من تلك الأشياء المعروفة عند العرب أنّها سبب لورود الشرّ.

ومسلم بن عقيل يعلم تماما بما هو قادم عليه، عارف بالمهمة التي تحمّل مسؤوليتها، ونافذ البصيرة في ما أناط به سيد الشهداء عليه السلام، ويعرف لماذا خرج السبط المبشّر بالشهادة.

مسلم والتطير

روى ابن أعثم في الفتوح والخوارزمي في المقتل قالا: "ثم طوى الكتاب وختمه ودعا مسلم بن عقيل - رحمه اللّه - فدفع إليه الكتاب، وقال له: إنّي موجهك إلى أهل الكوفة، وهذه كتبهم إليّ، وسيقضي اللّه من أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض على بركة اللّه حتى تدخل الكوفة.[6] وعليه فمسلم لا يحتاج إلى التطيّر واستكشاف المستقبل، ومعرفة ما يقدم عليه من خير أو شرّ.

أيضاً قال له الإمام الحسين عليه السلام " فامض على بركة اللّه حتى تدخل الكوفة "، ولا يجتمع التطيّر مع التفاؤل والبركة المنثورة من فم أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام على طول طريقه " حتى يدخل الكوفة ".

ومسلم هو الذي أمر الإمام المفترض الطاعة أهل الكوفة أن يبايعوه كما نصّ على ذلك ابن أعثم في الفتوح. فما دام هو في هذه المنزلة من حجّة اللّه، وأعرف الخلق بالخلق، فلا يتطرّق إليه الشكّ، ولا تقترب منه الشبهات، ولا يقال في حقّه ما نقلوه من صفات لا تليق بالمؤمن.

المصادر

[1]. تاريخ الطبري، ابن جرير الطبري، ج 4، ص 263.

[2] . سورة يس، الآية 18.

[3] . سورة النمل، الآية 47.

[4] . سورة الأعراف، الآية 131.

[5] . ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1760.

[6] . كتاب الفتوح لابن أعثم، ج5، ص31، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج1، ص169.