مقتطفات من دعاء عرفة

لقد دعا الإمام الحسين عليه السلام في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة المسمى بيوم عرفة بدعاء سُمّي بدعاء عرفة،[1] إرتسمت فيه أشرف المفاهيم والكلمات المعنوية من المعارف الإسلامية والشيعية.

إن ارتفاع مستوى معرفة مضامين دعاء عرفة ومنزلته ومنزلة هذا اليوم الفضيل يمهّد بدوره لتقرّب الإنسان من المقامات السامية ونيله للكمالات الروحانية العالية وتعينه على استدراك الماضي والاعتذار والندم عليه.

ففي إثبات وجوده تعالى قال الإمام الحسين عليه السلام: كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أ يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا.

إنه تبارك وتعالى أظهر الموجودات وأجلاها، فوجوده تعالى لا يحتاج في ظهوره إلى بيان أحد، وقد أظهر الدلائل على وجوده وعلمه وقدرته في الآفاق وفي أنفسهم، وهو مظهر الأنبياء والرسل وفضلهم وكمالهم وهو مفيض العلم والجود عليهم، وعلى جميع الخلق، فهو سبحانه المظهر لنفسه ولغيره وجودا وكمالا ومعرفة.[2]

الإمام الحسين وبدء خلقة الإنسان

وفي خلقة الإنسان يقول الإمام الحسين عليه السلام: "وابتدعت خلقي من مني يمنى، ثمّ أسكنتني في ظلمات ثلاث: بين لحم وجلد ودم لم تشهدني خلقي، ولم تجعل إليّ من أمري ثمّ أخرجتني إلى الدنيا تامّاً سويّاً"

إنّ عملية خلق ونمو الجنين في بطن الأُمّ تعدّ من أعجب وأدقّ صور خلق الباريء عزّوجلّ، ونادراً ما نلاحظ أنّ المطلعين على دقائق هذه القضايا لا تلهج ألسنتهم بحمد الخالق وثنائه، فقول الإمام الحسين عليه السلام " في ظلمات ثلاث" إشارة إلى ظلمة بطن الأمّ وظلمة الرحم وظلمة المشيمة -الكيس الخاص الذي يستقر فيه الجنين- التي هي في الحقيقة ثلاثة أغلفة سميكة تغطي الجنين.

وفي الاعتراف بالذنب يقول الإمام الحسين عليه السلام: "أنا يا إلهي المعترِفُ بِذُنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أخطأتُ، أنا الذي هممتُ، أنا الذي جَهِلتُ..."

يريد الإمام الحسين عليه السلام أن يُفهمنا أن الاعتراف بالذنب فضيلة، والاعتراف بالخطأ اعتذار، فعلى الإنسان أن يعترف بذنبه أمام سيده ويطلب منه الغفران، ويطلب منه العفو.

فإجلاس هذا الإنسان على دكة الإعتراف هو أعظم شيء أخلاقي ممكن أن يصنعه الإنسان وهو على خلاف العادة منه، إن الإمام الحسين عليه السلام يأتي بهذا الإنسان حتى يجلسه ليخاطب ربه ويقول أنا الذي فعلت يا رب تلك الأمور وأنا الذي وعدتك أن لا أعود للمعاصي فأخلفت ذلك الوعد وأنا الذي قلت سأطيعك ثم نكثت هذا الإتفاق، أنا الذي تعمدت في ارتكاب هذه المعاصي والقضايا، أنا الذي كذبت وأخطأت ليس هناك أحد غيري فهذه ذنوبي يا ربي بين يديك فاغفرها لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

المصادر:

[1] . مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، الأدعية والمناجاة، دعاء عرفة.

[2] . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة محمدباقر المجلسي، ج1، ص 278.