-على سيرة جده رسول الله صلى الله عليه وآله، تحلى الإمام الهادي عليه السلام بمكارم الأخلاق لتتميمها.
عناصر الفضل والكمال كثيرة في سيرة الإمام الهادي عليه السلام نشير الى نماذج منها مما تجلت في صور من سلوكه عليه السلام كما نصت عليه كتب السيرة والتاريخ.
أما بالنسبة الى الكرم، فكان عليه السلام من أبسط الناس كفاً على غرار آبائه عليهم السلام الذين وصفهم القرآن الكريم" وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"[1]
فقد وفد جماعة من أعلام الشیعة علی الإمام الهادی علیه السلام، فشکا أحدهم إلیه وهو أحمد بن اسحاق دیناً علیه، فالتفت علیه السلام إلی وکیله عمرو وقال له: ادفع له ثلاثین ألف دینار، والی علی بن جعفر ثلاثین ألف دینار، کما أعطی وکیله مثل هذا المبلغ، وعلّق ابن شهرآشوب علی هذه المکرمة بقوله: "فهذه معجزة لا یقدر علیها إلاّ الملوک، وما سمعنا بمثل هذا العطاء".[2]
جوده عليه السلام
وکان قد خرج من سامراء إلی قریة له، فقصده رجل من الأعراب، فلم یجده فی منزله فأخبره أهله بأنه ذهب إلی ضیعة له، فقصده، ولما مثل عنده سأله الإمام عن حاجته، فقال بنبرات خافتة: یا ابن رسول الله، أنا رجل من أعراب الکوفة المتمسّکین بولایة جدّک علی بن أبی طالب، وقد رکبنی فادح ـ أی دین ـ أثقلنی حمله، ولم أرَ من أقصده سواک.
فرقّ الإمام لحاله، وأکبر ما توسل به، وکان علیه السلام فی ضائقة لا یجد ما یسعفه به، فکتب علیه السلام ورقة بخطّه جاء فیها: أن للأعرابی دیناً علیَّ، وعیّن مقداره، وقال له: خذ هذه الورقة، فإذا وصلت إلی سر من رأی، وحضر عندی جماعة فطالبنی بالدین الذی فی الورقة، وأغلظ علیّ فی ترک إیفائک، ولا تخالفنی فیما أقول لک.
فأخذ الأعرابی الورقة، ولما قفل الإمام إلی سرّ من رأی حضر عنده جماعة کان فیها من عیون السلطة ومباحث الأمن، فجاء الأعرابی فأبرز الورقة، وطالب الإمام بتسدید دینه الذی فی الورقة فجعل الإمام علیه السلام یعتذر إلیه، والاعرابی یغلظ له فی القول، ولما تفرّق المجلس بادر رجال الأمن إلی المتوکل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثین ألف درهم إلی الإمام فحملت له.
وجاء الأعرابی مرة أخرى فقال له الإمام علیه السلام : "خذ هذا المال واقضِ منه دینک، وانفق الباقی علی عیالک وأهلک واعذرنا...".
وأکبر الاعرابی ذلک، وقال للامام: ان دینی یقصر علی ثلث هذا المبلغ. فأبی الإمام علیه السلام أن یستردّ منه من الثلاثین شیئاً، فولّی الاعرابی وهو یقول: الله أعلم حیث یجعل رسالته.[3]
المصادر
[1] . سورة الإنسان، الآية 8.
[2] . مناقب آل أبی طالب، ابن شهر آشوب، ج 4، ص 409.
[3] . الاتحاف بحبّ الاشراف، جمال الدين الشبراوي، ص 176.