نبذة عن حياة الإمام الهادي

مرحلتان في حياة الإمام الهادي عليه السلام، المرحلة الأولى في ظلال حياة أبيه الجواد عليه السلام وهي ثمان سنوات، وقد عاصر فيها كلّاً من المأمون والمعتصم، والمرحلة الثانية تتمثل في توليه منصب الإمامة الى حين استشهاده عليه السلام وهي أربع وثلاثون سنة، عاصر فيها ستة من ملوك بني العباس.

لما تقلّد الإمام الجواد عليه السلام زعامة الشيعة الدينية والفكرية، كان عمره الشريف بعد استشهاد أبيه الإمام الرضا عليه السلام سبع سنوات، يدبّر أمر أبيه بالمدينة ولا يخالفه أحد.

قال صفوان بن یحیی: قلت للرضا علیه السلام: قد کنا نسألک قبل أن یهب الله لک أبا جعفر فکنت تقول یهب الله لی غلاماً، فقد وهب الله وأقرَّ عیوننا فلا أرانا الله یومک، فإذا کان کون فإلی من؟ فأشار بیده إلی أبی جعفر علیه السلام وهو نائم بین یدیه، فقلت: جعلت فداک، هو ابن ثلاث سنین!.[1] فقال الإمام: إن الله بعث عیسی بن مریم قائماً بشریعته وهو فی دون السنّ التی یقوم فیها أبو جعفر علی شریعتنا.[2]

و هكذا فقد عاش بعد أبیه تسع عشرة سنة إلاّ خمساً وعشرین یومـاً[3] وهی مـدة إمامته علیه السلام.

انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه أئمة أهل البيت عليهم السلام مع انشداد الغالبية المؤثرة بالأئمة عليهم السلام والقول بمرجعيتهم الفكرية والروحية، فكانت ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام أحد أوجه هذه السياسة دهاءً منه للحد من تأثير الإمام وتحديد تحركه وتحجيم دوره، وبعد استشهاده عليه السلام، أشخص الى الامام الجواد عليه السلام لنفس الأهداف التي أجراها مع الامام الرضا عليه السلام، فكان يظهر التودد للإمام الجواد وزوجه ابنته ليخدع الأكثرية من أبناء الأمة، وهكذا قضى الإمام الجواد عليه السلام خمس عشرة سنة خلال حكم المأمون حين مات سنة 218.

الجنيد معلم للإمام الهادي عليه السلام

وبويع للمعتصم ابن هارون الرشيد بالخلافة، وبنى سامراء ونقل الخلافة اليها، واستقدم الإمام الجواد اليها سنة 220 فاستشهد الإمام وقد خلّف ولده الهادي عليه السلام وهو صغير بالمدينة وقد نص على إمامته في أكثر من موقع.

وبعد استشهاد الإمام الجواد عليه السلام، كلّف المعتصم عمر بن الفرج أن يذهب للمدينة ويختار معلما لأبي الحسن الهادي عليه السلام البالغ من العمر ست سنوات، وليكون المعلم معروفا بالنصب لأهل البيت عليهم السلام، فاختار الجنيد وعيّن والي المدينة له راتباً شهرياً وعهد اليه أن يمنع الشيعة من الاتصال به.

لكن الجنيد ذهل من ذكاء الإمام الهادي، وبعد فترة التقى والي المدينة بالجنيد فقال له ما حال الصبي الذي تؤدبه؟ فقال الجنيد: أتقول هذا الصبي ولا تقول هذا الشيخ؟ ... لهو خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى، وإنه لربما همَّ بدخول الحجرة فأقول له: حتی تقرأ سورة، فیقول: أیّ سورة ترید أن أقرأها؟ فاذکر له السور الطوال ما لم یبلغ إلیها فیسرع بقراءتها بما لم أسمع أصح منها، وکان یقرأها بصوت أطیب من مزامیر داود، انّه حافظ القرآن من أوله إلی آخره، ویعلم تأویله وتنزیله.

وأضاف الجنیدی قائلاً: هذا الصبی صغیر نشأ بالمدینة بین الجدران السود فمن أین عَلِم هذا العلم الکبیر؟ یا سبحان الله!! ثم نزع عن نفسه النصب لأهل البیت علیهم السلام ودان بالولاء لهم واعتقد بالامامة".[4]

المصادر

[1] . إثبات الوصیة، علي بن الحسين المسعودي، ص 185 و186.

[2] . المصدر السابق.

[3] . الکافی، الشيخ الكليني، ج 1، ص 572، ح 12.

[4] . مآثر الکبراء فی تاریخ سامراء، ذبيح الله المحلاتي، ج 3، ص91 ـ 95.